
في عملية مشتركة جديدة بين «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة، والقوات التابعة للسلطات الانتقالية في سوريا، ألقت القوات الأميركية القبض على عضو بارز في تنظيم «داعش» كان يختبئ في منطقة معضميّة القلمون المحاذية للضمير في ريف دمشق. وقالت مصادر سورية، إنّ العملية التي تُعدّ خامس تعاون بين الطرفين، أسفرت عن اعتقال أحمد عبد الله المسعود البدري (47 عاماً)، وفق ما نقل تشارلز ليستر، مدير مبادرة سوريا في «معهد الشرق الأوسط»، في تغريدة على منصة «إكس»، موضحاً أنّ المسعود، تسلّل إلى منطقة قريبة بعد سقوط النظام السابق، حيث كان يختبئ في البادية.
وبينما لم يعلن «التحالف» ولا وزارة الداخلية الانتقالية عن هذا التعاون، علّق المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، على منشور ليستر، بالقول إنّ «سوريا عادت إلى صفّنا»، في إشارة إلى هذا التنسيق. أمّا وزارة الداخلية، فقالت، في بيان مقتضب، إنّ العملية أدّت إلى تفكيك خليّة مؤلّفة من ثلاثة أشخاص، مشيرةً إلى أنّ أحد عناصر الخلية قُتل في أثناء محاولته تفجير حزام ناسف، فيما توفّي الثاني متأثّراً بجراحه، وأُلقي القبض على الثالث، لافتة إلى أنه جرت مصادرة أسلحة فردية وذخائر متنوّعة وحزام ناسف معدّ للتفجير.
وأضافت الوزارة أنّ الهجوم نُفّذ بالتعاون بين جهاز الاستخبارات العامة وقيادة الأمن الداخلي في ريف دمشق، وذلك بعد متابعة دقيقة لتحرّكات الخليّة في الريف الشمالي للمحافظة. لكنّ «الداخلية» لم تُشر إلى دور «التحالف الدولي»، في ما يبدو تلافياً للإقرار بالتعاون غير المعلن، في ظلّ غياب اتفاق رسمي بين الطرفين في هذا الخصوص.
ويأتي ذلك وسط محاولات متكرّرة من السلطات الانتقالية في سوريا، بدعم من برّاك، الذي يشغل أيضاً منصب سفير بلاده في تركيا، ودعم من هذه الأخيرة، للانضمام إلى «التحالف الدولي»، في إطار مساعٍ لتقويض نفوذ «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، الحليف الأبرز للولايات المتحدة في محاربة «داعش». وبينما يبدو هذا النوع من التعاون بمثابة اختبار متكرّر بين الطرفين، قد يفضي إلى بلورة صيغة تسمح للسلطات الانتقالية بالانضمام إلى «التحالف» – وهو أمرٌ يرغب فيه البيت الأبيض أيضاً – تشكّل التركيبة العسكرية لقوات وزارة الدفاع التابعة للسلطات الانتقالية، عقبةً واضحة أمام تحقيق الهدف المذكور.
تعدّ قضية محاربة «داعش» أحد المداخل الرئيسية للنقاش بين «قسد» والسلطات الانتقالية
إذ قد يمثّل وجود الفصائل المتشدّدة تهديداً فعليّاً لخطط محاربة تنظيم «داعش»، الذي استغلّ سقوط النظام السابق ليتمدّد داخل المدن، بحسب تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر في آب الماضي، أشار أيضاً إلى أنّ مسلّحي التنظيم استحوذوا على كمّيات كبيرة من الأسلحة بعد انهيار الجيش السوري.
وبرغم هذا التمدّد، لم يتبنَّ التنظيم أي نشاط فعلي في مناطق سيطرة السلطات الانتقالية، فيما تُعدّ مناطق سيطرة «قسد» الميدانَ الأوسع لعملياته اليومية. وبحسب إحصاءات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، نفّذ مسلّحو التنظيم 25 هجوماً في مناطق «قسد» في أثناء أيلول الماضي، أدّت إلى مقتل وإصابة نحو 60 شخصاً من مدنيين وعسكريين. على أنّ هذه المفارقة اللافتة تطرح تساؤلات حول تركيز التنظيم هجماته في معاقل «قسد» وانكفائه في مراكز نفوذ السلطات الانتقالية، رغم إعلانه مراراً عداءه لهذه الأخيرة وتنفيذه بعض العمليات المحدودة ضدّها.
وعلى أي حال، تعدّ قضية محاربة «داعش» أحد المداخل الرئيسة للنقاش بين «قسد» والسلطات الانتقالية، وذلك في إطار مساعٍ لتطبيق اتفاق العاشر من آذار الموقّع بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي، والذي ينصّ على دمج القوات الكردية في هيكلية وزارة الدفاع الناشئة بدعمٍ أميركي. لكنّ هذه العملية دخلت مرحلة دقيقة، في ظلّ استمرار الخلافات بين الطرفين، والتهديدات التركية المتكرّرة بشنّ هجمات عسكرية ضدّ «قسد».
وهي هجمات، إن وقعت، قد تمنح تنظيم «داعش» هامشاً أوسع لإعادة التمدّد، بالاستفادة من صعود الفصائل المتشدّدة من جهة، والهشاشة الأمنيّة من جهة أخرى. ولذلك، يمكن فهم الموقف الأميركي الرافض لأيّ هجمات تركية جديدة، رغم رغبة واشنطن في تحقيق هذا الاندماج؛ إذ تمثّل عودة نشاط التنظيم فشلاً أميركياً جديداً في الملف السوري، في وقت يحاول فيه البيت الأبيض تسويق نجاحه في إدارته.



